في 19 يونيو، وبعد ضغوط للانضمام إلى حملة القصف الإسرائيلية على إيران، أعلن الرئيس دونالد ترامب أنه سيتخذ قراره خلال أسبوعين. البعض سخر من التصريح وعدّه مجرد تملص معتاد من قرارات صعبة، مستخدمين اختصارًا دارجًا: "ترامب دائمًا يتهرب". لكن بعد يومين فقط، قصفت الولايات المتحدة ثلاثة مواقع نووية إيرانية. ورغم الجدل حول مدى الضرر الحقيقي الذي أصاب البرنامج النووي الإيراني، يتضح أن ترامب كان جادًا في منع طهران، المصنفة كدولة راعية للإرهاب، من امتلاك سلاح نووي.

لكن الموقف الحازم تجاه إيران لا ينعكس على سياسة ترامب تجاه روسيا، حليفة إيران. فبينما يشن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربًا وحشية ضد أوكرانيا، يظهر ترامب ترددًا وغموضًا في التعامل مع الموقف. في 28 مايو، سُئل ترامب عما إذا كان بوتين يريد إنهاء الحرب، فأجاب: "لا أستطيع أن أؤكد، لكني سأعلمكم خلال أسبوعين". ورغم مرور أكثر من شهر، لم يتغير شيء، بينما تواصل روسيا قصف المدن الأوكرانية بوتيرة متصاعدة. فقط خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة، أطلقت موسكو 537 سلاحًا جويًا، منها 60 صاروخًا استهدفت في معظمها المدنيين.

ورغم تأكيده المتكرر أن بوتين ما كان ليغزو أوكرانيا لو كان هو في السلطة عام 2022، فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض لم تمنع بوتين من تصعيد الهجمات. الهجوم الصيفي الروسي يواجه تعثرًا، لكن القصف الصاروخي والطائرات المسيّرة يتزايد، وسط مخاوف من نفاد الدفاعات الجوية الأوكرانية.

في أبريل، خاطب ترامب بوتين قائلًا: "فلاديمير، توقف!" لكن بوتين لم يتوقف، وترامب لم يتخذ خطوات جدية. بل خلال قمة مجموعة السبع في كندا، عبّر عن استيائه من استبعاد روسيا من المجموعة، واستمر في إجراء محادثات ودّية مع بوتين، رغم كونه متهمًا بجرائم حرب دولية. كما تعرقل إدارة ترامب قانونًا مدعومًا من أكثر من 80 عضوًا في مجلس الشيوخ يفرض رسومًا جمركية بنسبة 500% على الدول التي تشتري الطاقة الروسية.

صحيح أن بعض المحللين يرون هذا القانون غير عمليًا، لما له من تبعات على علاقات واشنطن مع شركاء مثل الهند وتركيا والبرازيل والاتحاد الأوروبي، لكن في المقابل، لا يتخذ ترامب أي إجراءات بديلة فعالة. لم يفرض عقوبات جديدة منذ توليه، ما أضعف فاعلية الإجراءات القائمة. في المقابل، يمكن اتخاذ مسارين أكثر فاعلية: تزويد أوكرانيا بذخائر دفاع جوي حيوية، والضغط على أوروبا لتحرير 300 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة لصالح أوكرانيا.

أوكرانيا تنتج حاليًا نحو 40% من أسلحتها، ولو حصلت على الأموال الروسية المجمدة، يمكنها توسيع إنتاجها الدفاعي بشكل كبير، ما سيرسل رسالة قوية لبوتين بأن أهدافه لن تتحقق. كذلك، تحتاج أوكرانيا إلى مزيد من صواريخ "باتريوت"، وهي أنجع وسيلة للتصدي للصواريخ الباليستية. لكن رغم تصريحات ترامب حول إمكانية توفيرها، لم تُرصد أي خطوات حقيقية، بل أوقف البنتاجون هذا الأسبوع المساعدات العسكرية بحجة انخفاض المخزون الأميركي.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفذ كل ما طلبه ترامب، من تأييد وقف فوري لإطلاق النار إلى توقيع اتفاقيات مع واشنطن. في المقابل، يرفض بوتين مجرد الهدنة المؤقتة، ومع ذلك، تكافئ واشنطن موسكو وتحرم كييف من الدعم.

بعد فشل ترامب في إنهاء الحرب خلال 24 ساعة كما وعد، يبدو الآن مستعدًا للتنصل من الملف الأوكراني. لوّح بإمكانية الانسحاب من مفاوضات السلام، ما يفتح الطريق أمام بوتين لمواصلة العدوان دون عواقب. بل وصرّح قائلًا إن الطرفين "مثل طفلين صغيرين يتشاجران"، ويُفضل أحيانًا تركهما "ليتقاتلا قليلًا ثم فصلهما".

هذا التوصيف يعكس ضبابية أخلاقية حيال حرب لا مجال فيها للحياد. فالحرب الروسية الأوكرانية ليست صراعًا هامشيًا، بل مواجهة بين ديكتاتور معادٍ للغرب ودولة ديمقراطية تتعرض لغزو وحشي. فوز روسيا لن يُهدد أوكرانيا فقط، بل سيشجع قوى استبدادية أخرى كالصين على مزيد من التعدي، ويعرض استقرار أوروبا للخطر.

لذلك، دعم أوكرانيا حتى الوصول إلى تسوية تحافظ على سيادتها ضرورة أخلاقية واستراتيجية. لكن يبدو أن ترامب لا يدرك هذه الحقيقة، ما يجعل الأوكرانيين هم من سيدفعون الثمن.
 

https://www.washingtonpost.com/opinions/2025/07/03/trump-iran-russia-ukraine/